29‏/12‏/2014

شجرة التوت



اللوحة:  Ton Dubbeldam 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شـجرة التـوت
(ديوان المفارقات)
**************
لا تُريقي الروح منّي
ليس لي فيها سواكِ
وفي لياليها ليستْ سوى شوقٍ يغنّي..
أحتالُ على الزمان بهواكِ
فتشحب الأشياء
وتهرم في سَوْرة الأقدارِ
وتفلت غضّةً بحبكِ أشعاري
كيف سأرحل عن عالمٍ أنتِ فيه؟
كل عزائي أنّني أنقذت بعضي
بنفحة بهاكِ
وبكلمات نشيدٍ غنّاكِ..
***
إنّ جرعة الروح الأخيرة
ليست بكافية
على سقاية قوافل حجيج الهوى
وخيوط الحرير لم يعد لديها المزيد
من أوراق التوت
لتنسج ثوباً يليق
بحلم يطلّ من شرفة الربيع
ينثر كركرات الينابيع
ويزيح ستارة الليل
عن خضرة الفجر
***
ندى الورد يبلّل نعاس الروح
فأغفو حالماً..
وأخلّف ورائي عالماً يفوح بالعطر
تطوّق خصره السنابل
ويرقص على مشارف البحر
***
شجرة التوت الهرمة
تمضغ لحاء السنين
مثقلة بالغصون العاريات
يهزّها الربيع
فيهطل غناء حزين
من فصول قديمة
ومن ذكريات الحرير
***
شجرة التوت الهرمة
تودّع الربيع بعد الربيع
وجذعها المنخور
ينزع قشوراً من تعب
وشقوق اللحاء
تذرف دموعاً من صمغٍ
في فِناء الشتاء


17‏/12‏/2014

صباح مساء




صباح مساء
 (ديوان المفارقات)
************
كلّ مساء
بعد أراجيف النهار
أُجرْجرُ الطفل الذي
أتعبه التجوال
في عالم ما بعد الطوفان الكبير
أهرب من ساحات الثرثرة
ومن دوائر العماء
أنزل في عينيكِ
نحو حضن روحكِ المضاء
أغلق خلفي كلّ أبواب الهراء
أغفو على مِخدّتكِ الورديّة كالأحلامِ
كالطفل القديم..
***
أحلمُ أنني حُلُمُ
يصحو على صوت حقيقتكِ
كفراشة بيضاء في فِراشكِ الليلي
وأداعب نوافير الجمال
***
كلّ صباح
أسْحبُ نفسي منكِ 
همْساً منسلاًّ كخيطٍ من وشاح
أتيه من جديد في النهار
أدور حول نفسي
يعْقدني عالم الكبار
في نسيج الكذبِ
وأعْلق في شباك التعبِ
أنفض نفسي
وقبل انقطاع خيط الوشاح 
أعود طفلاً جائعاً في المساء
أغرف من شفتيكِ حسائي
وفي عينيكِ أراقص خيال الماء


4‏/12‏/2014

سيدوري، زيديني خمراً!




سيدوري، زيديني خمراً!
***************************** 
(تنويعات على الحوار بين سيدوري وجلجامش)


لثْمُ الجمالِ
حرفة مَنْ أدار عشقُه طواحينَ المحالِ
عتَّقتْ (سيدوري) خمرتَه
ومع وصاياها سَـقتْه ُعسلاً
يقطر من حلمة الليل ومن ثغـر الخيالِ
البعد الفيزيقي يعوّض أرواحنا أحياناً
بالقرب الشعري الحميم..!
(ننسون) الجليلة
أمّاه! هلاّ فسّرْتِ أحلامي
صديقي (أنكيدو)
حميمي الذي رافقني إلى غابة الأرز
صديقي الذي حماني من وحوش الغابة
الغابة التي جئناكِ منها بالخشب
لسريرك الملكي
وأترعنا كؤوسكِ من نبيذها الأحمر
من كرومها جئناكِ بالنبيذ الأحمر
وأطربنا (أوروك) بحكاياها
رأيت في نومي صديقي
رأيته مقذوفاً بفخذ الثور
(إنانا) لم تمهله
رأيت صديقي
مسّه البرق
وشقّه الرعد
صديقي الذي جلبته من البريّة
صديقي الذي حماني في غابة الأرز
أوّاه! يا أمّاه!
هلاّ فسّرْتِ لي أحلامي..
***

(سيدوري صاحبة الحانة الساكنة عند ساحل البحر
شاهدت جلجامش مقبلاً..
...
إنْ كنت حقاً جلجامش الذي قتل حارس الغابة
وغلبت خمبابا الذي يعيش في غابة الرز
...
علامَ ملك الحزن قلبك وتبدّلت هيئتك
...
وعلامَ تهيم على وجهك في الصحارى؟
فأجاب جلجامش صاحبة الحانة وقال لها:
...
قد أدرك (مصير البشر) صاحبي وأخي الأصغر
...
آه! لقد غدا صاحبي الذي أحببت تراباً
وأنا، سأضطجع مثله فلا أقوم أبد الآبدين
فيا صاحبة الحانة، وأنا أنظر إلى وجهك،
أيكون في وسعي ألاّ أرى الموت الذي أخشاه وأرهبه؟)*


الليل قد طال يا (سيدوري)
ولائحة الاكتئاب طويلة
صبّي خمركِ، واملأي كلّ الكؤوس
من فرح الكروم
أو من زلال التمور
لا فرق، فقد جفّت النفوس
في البراري تحت الشموس
رحيمة! أنت يا ساقية الخمور
وخوابيكِ أنهار تُطفئُ عطش الصحارى
يا منيرة الليالي
يا دليلة الأرواح
عطرّي المائدة بالليمون
ولا تمنحي فرصة النضوب للكؤوس!


(فأجابت صاحبة الحانة جلجامش قائلة له:
إلى أين تسعى يا جلجامش
إنّ الحياة التي تبغي لن تجد
حينما خلقت الآلهة العظام البشر
قدرت الموت على البشرية
واستأثرت هي بالحياة
أما أنت يا جلجامش فليكن كرشك مليئاً على الدوام
كن فرحاً مبتهجاً نهار مساء
وأقم الأفراح في كل يوم من أيامك
وارْقصْ والْعبْ مساء نهار
واجعل ثيابك نظيفة زاهية
واغسل رأسك واستحم في الماء
ودلل الصغيرالذي يمسك بيدك
وأفرح الزوجة التي بين أحضانك
وهذا هو نصيب البشرية...)*
***

للخمر كأسٌ
وللعشق قلبٌ
وللموت وقتٌ
فلتثْمل الروح
حتى نهاية الرقصة
آه.. ما أصغر كأسي
وما أوسع البحر
في عينيكِ..!
السماء أبعد ما تكون
أشرعتي تمزّقتْ
وأجنحتي تكسّرتْ
لكنّه الشوق لا يعرف السكون
يخفضني ويرفعني
يجذبني ويدفعني
أحار بين الرحيل أو الجنون
أراني في عينيكِ
محلّقاً وغارقاً
بين انفتاح وانطباق الجفون
***
السؤال الأبدي
ما زال ينزف غزيراً في أعماق الروحْ
إلامَ تؤول أيّها الروحْ؟! 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ملحمة جلجامش، ترجمة طه باقر