29‏/8‏/2013

حكمة الطين



حكـمـةالطيـن (*)
********************

(حدثني صوفي، أنه التقى شيخا بابليا،  تاه في مدينة سومرية، فأخذ بيده شاعر قديم من أزمنة سحيقة، وناوله لوحا طينيا، دُونتْ فيه رموز غريبة..عندها غشي على الصوفي، فاسـتـيـقـظتُ !).


(1) 

في وجهها العريقْ
أبصرت ظلا غائما من زمن غريقْ
يدنو وينأى كارتعاش ألقٍ غريبْ
يغفو ويصحو مثل مكر الحلُم المريبْ
يضرم في الشجرة الممنوعة الحريقْ
أقبسني في دجنة الطريقْ
معرفة سريّةً عن سيرة الصروح والجروحِ
عن رعشات الخلق وانتباهة الروحِ
في لجّة البريقْ


(2)

الماء والنور شريكان تقاسما ابتكار صور الفصولْ
وشاهدان لانبثاق الحيّ والأصولْ
من اقـتفى النور سرى في البرعم المضاءْ
وطاف في مسارح السماءْ
من اقتفى الماء رسى عند الحضارات الأولى ذاهلا من رهبة الزقورهْ
مندهشا من روعة الكاهنة الوقورهْ


(3)

الصمت حرفٌ نام في السماءْ
والليل مهدٌ هزّه الأنينْ
في ظلمات الطين فزّ الماء كالجنينْ
كان دبيب الشكل يحبو في حشا العماءْ
ناء المدى بالفجر فانثال ندى الحروفْ
ضجّ النخيل البكْر في الصباحْ
مَنْ صعد النخلة من مملكة الطين جنى وصاحْ
(- تزوّدوا يا صحبي العراةْ
   من ثمر النخلة والفراتْ
   فها هنا نفتتح الحياةْ
   سمُّوا فتملكوا وغنّوا تلجوا الوجودْ..)
بالقصب المضيءْ
اِستحدَثوا نايا يذيع النغم الجريءْ
في وطنٍ بريءْ..
واسـتودَعوا الطين سطورَ الزمن الأول في رقيمْ
من خبرالرعشةَ في أوّل كفٍ رقمتْ أولى حروف الكاهن القديمْ؟ 


(4)


من مجْمع الآلهة البعيدْ..
هرّب شاعر الرؤى القديمْ
أسطورةَ التكوين والنشيدْ
مستسلما لمنطق الخيالِ
يكدح في مزرعة الجمالِ
محملا غلّته الخضراء في عربة اللغة كالمكتنز السعيدْ

(5) 

النار في ذاكرة الأشياء نقـشٌ راقدٌ قديمْ
تنتظر القابس والريح لكي يستيقظ النشيشْ
تحت سكون السطح والأديمْ
خلف ظلام الليل والسديمْ


(6)
 
من علّم الإنسان سرّ النار في الظلامِ
غير اشتعال جسدين في لظى الغرامِ ؟!


(7)

البشر الفانون رهن القدر المسكون في ألسنة الأتونِ
اِحتطبتْ حروبُهمْ أجسادهمْ وجمّدوا الحكمة في المتونِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) طه باقر، مقدمة في أدب العراق القديم، بغداد، 1979، ص 32.
(( وشاءت الصدفة الحسنة أن لا يجد كتبة العراق القديم أيسر وأسهل من ((الطين)) يدوّنون فيه الكلمة أي الفكر. فالطين، بخلاف سائر مواد الكتابة التي استعملتها الحضارات الأخرى، لا يفنى. إنه ((طين العراق الخالد)) الذي حفظ لنا أولى تجارب رائدة في تاريخ البشرية حققها العراقيون القدامى يوم انتقلوا الى الحضارة والمدنية، وهي التجربة المثيرة في تاريخ تطور الإنسان المديد، والتي لا تزال البشرية تعيشها وتعانيها بخيرها وشرها.))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق